JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الخوف والقلق والآليات الدفاعية

الخوف والقلق والآليات الدفاعية


معظمنا خائف وقلق في هذه الأيام. وقد تتوقعون مني أن أعطيكم حلولاً للقلق والخوف بينما في الحقيقة الموضوع أكبر وأعقد مما يمكن أن تتخيلوه. لذا سنتكلم عن هذا الموضوع في أكثر من لقاء.


سنبدأ بتعريف القلق والخوف والآليات الدفاعية التي يستخدمها الإنسان مقابلهما. وللموضوع طابع علمي سأحاول تبسيطه قدر المستطاع.


بدايةً أقول إن الإنسان هو جملة من الصراعات، صراع بين الوعي واللاوعي، صراع بين المسموح والممنوع، بين الرجل والمرأة، بين الفرد والمجتمع واللائحة تطول. هذه الصراعات بطريقة أو بأخرى وبشكل لا واعٍ تسبب القلق. حتى يمكنني أن أقول إن القلق يبدأ قبل ذلك بكثير، فكل امرأة حامل هي قلقة على جنينها وشكله وصحته وهذا القلق يعبر إلى الطفل. وبالتالي فالقلق أمر طبيعي وموجود لدى جميع الناس.


يعرف الفلاسفة بأن القلق عند الإنسان هو قلق وجودي والذي هو قلق الموت، حتى وإن لم نفكر يومياً في الموت لكن هذا القلق حاضر وموجود. إذاً فالإنسان صراعات تؤدي إلى قلق يعتبر طبيعياً. إن هذا يطرح سؤالاً مهماً جداً لنا وهو التمييز بين الطبيعي والمرضي.


عادةً نحن نطلق صفة المرض على الناس بسهولة فننعتهم بالجنون، أو فصام الشخصية، أو المرض النفسي وما شابه. وهذا بالطبع خطأ فادح وخطأ أخلاقي لأنه ليس من حقنا أن نصنف الناس بهذه البساطة.


وبالتالي النقطة التي يجب أن تكون واضحة لنا جميعاً هو أن الحدود بين المرضي والطبيعي ليست حدوداً جغرافية على الإطلاق، حيث لا أستطيع أن أقيسها. فالحدود بين الطبيعي والمرضي هي حدود درجات مما يعني أن كل هذه المظاهر التي سنراها الآن هي طبيعية.


فعلى سبيل المثال كل الناس وبدون استثناء لديهم غيرة وعندهم حسد، كل الناس عندهم خوف وقلق، وكلهم عندهم رغبات جنسية. كل ذلك طبيعي ويصبح مرضياً فقط عندما يتجاوز درجة معينة.


كل الناس لديهم غيرة وحسد، لكن تصبح الأمورمرضية حين تعيق بقوة العلاقات مع الآخرين أو بالحالات القصوى وبشكل خاص حالة الحسد الذي قد يؤدي إلى إيذاء الآخر أو قتله حتى جسدياً. بالمقابل الغيرة هي أساس طموحات الإنسان، بمعنى آخر الإنسان الذي لا يغار إن وجد هو إنسان بلا طموح، ويمكن لكم أن تتخيلوا ماهية الإنسان الذي يفتقر إلى الطموح.


كل الناس لديها عدوانية، لكن العدوانية مهمة حتى أثبت ذاتي ويكون لدي شخصية قوية وواثقة من نفسها. لكن هذه العدوانية تصبح مرضية عندما تجعلني أؤذي الآخرين أو أعتدي عليهم.


السؤال ما هو القلق وما هو الفرق بينه وبين الخوف؟


الخوف هو خوف من وجود خطر خارجي محدد كالكلب أو الصرصور أو القطة أو الفأرة، إلخ.  يولّد وجود خطر خارجي خوفاً لدي وهذا الخوف يولد انفعالاً عاطفياً قوياً يجتاح الجسم بمجمله كأن يعرق الإنسان، ويصبح لديه جفاف بالفم، وضيق في التنفس، وتسرع بدقات القلب، ويشعر أن قدميه لا تستطيعان حمله.  طبعاً ليس بالضرورة أن تجتمع كل هذه العوارض بنفس الوقت. كذلك هناك خوف من وهناك خوف على، كأن أخاف من شخص معين أو شيء معين وأن أخاف على شخص على سبيل المثال.


أما القلق فهو شعور بالاضطراب أمام خطر داخلي لكنه مجهول، لذلك فالإنسان القلق يقول إنه قلق أو أحياناً لا يعرف أنه قلق لكن عندما يعبّر عن الشيء الذي يعيشه نفهم أنه يشعر بالقلق لأنه شعور لاواعٍ لا يمكن تحديده. فالقلق هو شعور بالاضطراب أمام خطر داخلي لكن هذا الخطر مجهول. وبالتالي جهل الموضوع وجهل سبب القلق يجعله لاواعياً. ويتميز القلق بحالة انتظار الخطر والتحضير له بالرغم من أن موضوعه مجهول كلياً من قبل الشخص.


فمثلاً الإنسان المثالي هو إنسان قلق بامتياز لأنه يشعر بالقلق دون أن يعلم لمَ، فهو يكبت بداخله كل ما هو ليس مثالياً، حتى يُظهر للآخرين أنه إنسان مثالي. وبالتالي يكون المثالي قلقاً وتعباً حتى لو لم يكن لديه أي عمل. من هنا يأتي الصراع بين الوعي واللاوعي عند الإنسان المثالي وهو صراع قوي جداً.


إن القلق كالخوف مرتبط ببوادر جسدية مشابهة. هناك نقاط مشتركة بين القلق والخوف لكن هناك أيضاً نقاط اختلاف. الخوف هو عبارة عن قلق انتقل من ساحة اللاوعي إلى الوعي وتمحور حول موضوع معين، لذا فالخوف هو أقل خطراً من القلق إن صح التعبير لأنه إن كنت أعلم مما أخاف فمن الممكن أن أتفاداه أما القلق فلا. إذا انكبت الخوف فيتحول إلى قلق والجنس مثال على ذلك.


كيف تعمل الآلية النفسية للإنسان؟ فلنتخيل مثلثاً متساوي الأضلاع، في الرأس لدي الأنا، على اليمين لدي الأنا العليا، وعلى اليسار لدي اللاوعي.


الأنا هي الأنا التي نعرفها، الأنا العليا هي مخزون المثل العليا والأخلاق التي زُرعت فينا بالتربية والمجتمع والمدرسة والكنيسة وغيرها، واللاوعي هو كل ما هو مكبوت. عندما يكون هناك صراع بين الأنا واللاوعي يكون هناك قلق يسمى بالقلق العصابي فالأمراض النفسية تقسم إلى جزأين عصابية وذهنية. عندما يكون الصراع بين الأنا والأنا العليا يكون القلق أخلاقياً بشكل طبيعي بما أن الموضوع يتعلق بالأخلاق.   


ما هو اللاوعي؟ يعمل اللاوعي حسب مبدأ اللذة، أي محاولة تنفيذ أي رغبة أو لذة كالرغبة الجنسية مثلاً. واللذة تنطلق عادة من النزوة وهي طاقة جنسية موجودة لدى الإنسان. لأن الجنس خلافاً لما نعتقد هو طاقة تجعلنا جميعنا نتحرك، لذلك هذه الطاقة مجنسة إما أنثوية أو ذكرية. الطريقة التي أتكلم بها هي ذكورية أما ما وراءها فهي هذه الطاقة الجنسية. أما العلاقة الجنسية فهي نقطة في بحر ما يسمى بالطاقة المجنسة.


يعمل اللاوعي بمبدأ اللذة، أي الذي يحركه هو اللذة. عندما تخرج اللذة إلى ساحة الوعي توقفها الأنا، وهذا الإيقاف إما انطلاقاً منها أو من الأنا العليا والقيم الأخلاقية اللاواعية المزروعة داخلنا والتي نعرفها بلا شك.  لذلك فاللاوعي لا يعرف النفي، ومن جهة أخرى لا يميز صوراً عقلانية أو أفكاراً. عندما يكون هناك نزوة ولذة وإثارة يسعى إلى تنفيذها وإلى اختراق ساحة الوعي.


أما الأنا فتعمل حسب مبدأ الواقع، وبالتالي محور الأنا هو العقل. تميز الأنا لذة العالم الواقعي ودورها يكمن في أن تكبح نزوات اللاوعي حتى لا تخترق ساحة الوعي ويتم التنفيذ، فتكون أحياناً النتائج كارثية.


الأنا العليا هي المبدأ الأخلاقي أو الكمال، أي كل القيم الأخلاقية والدينية التي زرعت فينا منذ طفولتنا من خلال البيت أو المدرسة أو المجتمع أو الكنيسة. إذاً هي صوت الأخلاق، وباللغة المسيحية هي صوت الضمير.


الوعي هو الذي نستطيع أن نفكر فيه بالتحديد وباللحظة التي أكون موجوداً فيها، فحالياً أنا أفكر بالحديث الذي علي أن أقوله. أما اللاوعي فهو الذي لا أستطيع أن أفكر فيه بسبب معارضة الأنا والأنا العليا له، وبالتالي هذا ما نسميه مقاومة أي كأن أفكر بطريقة غير سليمة أخلاقياً أو جنسية بطريقة غير مقبولة،  فالأنا والأنا العليا يقومان بإيقافها.


ما هو القلق من وجهة نظر التحليل النفسي؟ القلق يجبر الأنا على أن تدافع عن نفسها، وأحياناً يحتل الأنا بشكل كامل تماما ً فيصير هناك خبرة صادمة. القلق هو الذي يدفع الانسان يوماً ما وبلحظة معينة أن يراجع إنساناً مختصاً لأنه يكون قد وصل لدرجة شلته.


سنتكلم عن ثلاثة أنواع من القلق: القلق أمام الخطر الواقعي، والقلق العصابي، والقلق الأخلاقي.


القلق أمام خطر واقعي يكون مصدره خارجياً من الممكن أن يأذيني، فمقابل هذا الخطر علي أن أقوم بردة فعل، إما أن أهرب أو أن أواجه المشكلة أو الخطر. كمثل أن يلاحقني شخص معه سكين فهو خطر خارجي، فإما أن أهرب أو أن أواجهه.


في حالة القلق العصابي يأتي التهديد والخطر من داخلي. ليست بالضرورة أن تكون كل المخاوف التي بداخلي خطرة. أخاف مثلاً أن أفقد السيطرة على ذاتي، لكن ليس بالضرورة أن يحدث هذا، مما قد يجعلني أقوم بأعمال ممنوعة أو أن يكون لدي أفكار لا أخلاقية. هذا القلق يمكن أن يأتي من قلق اختبره الانسان من خلال مواجهته لخطر واقعي، فعمل له خبرة صادمة قبل أن يتحول إلى قلق عصابي. فمثلاً عندي رهاب من العناكب يمكن أن يكون قد تشكل من خبرة صادمة عشتها تجاه العناكب فيتحول إلى قلق عصابي.


يعتبر القلق الأخلاقي كشعور الذنب أو العار صوت الضمير. لا يكون مصدره الواقع ولا النزوات الجنسية، وإنما يأتي من العلاقة مع الأنا العليا، أي بعلاقة مع القانون الأخلاقي للمجتمع.


إذاً مقابل القلق يستعمل الانسان بشكل لاواعٍ آلية دفاعية تجعله يكذب على نفسه بشكل لاواعٍ طبعاً، وتجعله يشوه الواقع حتى ينقذ ماء الوجه ويدافع عن نفسه.


لدينا ثمان وسائل دفاعية:


1- الكبت: هو حين أكبت فكرة أو شعوراً معيناً أو ذكرى فأمنعهم من الوصول إلى الوعي. وبالتالي أحتفظ لنفسي بهذه الأفكار أو التصورات أو المشاعر، فتكون النتيجة أن يصبح عندي تخيلات أو أوهام أو أحلام ومن الممكن أن أستهزئ أو أنسى ذكرى معينة أثرت في كثيراً. عادة الكبت هو أول وأهم وسيلة دفاعية يستعملها الانسان، وهي وسيلة للحماية لكن لها نتائج سلبية.


2- الإسقاط: إذا كنت أكبت بداخلي نزوات أعتبرها مخزية فأقوم بنسبها للآخر. مثلاً أخاف ألا أحب فأقول بأن الآخر لا يحبني، أو أن أكره الآخر فأقول إنه هو من يكرهني.


3- التكوين العكسي: بشكل لاواعٍ أحول شعوراً مقلقاً لاواعياً إلى عكسه لكن على صعيد الوعي. حتى أقوم بذلك علي أن أكذب على نفسي. فمثلاً أنا أكره شخصاً ما أو أحقد عليه فأقوم بتأكيد العكس وأقول إني أحبه كثيراً حتى أنني أظهر حباً له أكثر من الطبيعي.  


4- التثبيت أو التراجع: يعني أمام قلق كبير أعود إلى مراحل قديمة من التطور النفسي. إذا كانت المشاعر كثيفة يكون هناك نوع من التثبيت ويكون ذلك في مرحلة الطفولة فيتوقف النمو الطبيعي كأن نجد شخصاً بعمر الخمسين عاماً ولا يزال مراهقاً، أي أن نموه تثبت في المراهقة لأسباب نجهلها. وبالتالي إذا حدث التثبيت عند الطفل في طفولته يبقى تابعاً للآخرين ويريد تأييدهم ويكون بحاجة إلى دعمهم، ومن هنا تأتي أهمية ما يفكر الآخرون. في حال وجود خبرات صادمة يكون هناك تراجع. كإنسان بالغ أو مراهق تجاوز مرحلة الطفولة فنراه فجأة عاد لمص الاصبع، أو أن يقرط أظافره أو يغضب بسرعة وسهولة وهي تثبيتات جزئية بسيطة.


5- النكران: هو رفض الاعتراف بأن شيئاً صادماً أو مزعجاً يحدث معي أو أمامي. كأن أرفض الاعتراف بأني مدمن على الكحول أو المخدرات أو الجنس، أو أن أوهم الآخرين بأني شخص قوي محصن لا أملك أية مشاكل صحية أو غيرها فأنكر مرضي المزمن مثلاً أمام الآخرين.


6- الاستذهان: أعطي الانطباع بأنه ليس لي علاقة بالموضوع، وبالتالي أحول مشكلة موجودة إلى مشكلة فلسفية ومجردة وعامة وأقل خطراً بالنسبة لي. مثلاً أن يشعر مراهق بذنب قوي بسبب ممارسته للعادة السرية وليس لديه القدرة على تجاوزها أو الامتناع عنها، فيطرح سؤالاً فلسفياً حول مكان اللذة ودورها في حياة الانسان. فيكون قد أنكر المشكلة وأعطاها بعداً عقلانياً.


7- الانتقال أو التصعيد أو التسامي: الانتقال هو التعبير عن مشاعر جنسية أو عدوانية على موضوع غير الموضوع الأساسي الذي يسبب لي الإثارة. مثلاً أنا غاضب من أبي لكن لا أستطيع أن أضرب أبي، فأضرب الألعاب الموجودة عندي إذا كنت طفلاً، أو أضرب أختي. وعند الإنسان البالغ أغضب من مديري لكن لا أستطيع أن أضربه، فأعود للمنزل وأغضب على زوجي أو أولادي.  


ويمكن شرح التصعيد أو التسامي عندما تقوم الطاقة الجنسية أحياناً بإظهار الرغبة الجنسية فيسعى الإنسان لتلبيها من خلال علاقة جنسية مع شخص آخر، لكن في التسامي يمكننا أن نحول هذه الطاقة والتي كغيرها من الطاقات باتجاه آخر غير الاتجاه الجنسي المباشر والذي نراه عند الطفل قبل مرحلة المدرسة مثلاً ببعد جنسي يتناسب بالطبع مع عمره كالرضاعة أو أن يبقى بين أرجل والدته، إلخ، حيث يختفي لديه البعد الجنسي عندما يدخل إلى المدرسة ويتم تسامي هذا البعد الجنسي أو تصعيده من خلال الاكتشافات العديدة في المدرسة من رياضة وعلم وصداقات وغيرها. فهناك اليوم أشخاص يعيشون هذه العملية بشكل مستمر وليس بشكل مؤقت كأن يتفرغوا لقضايا إنسانية أو إيمانية ودينية كالرهبان والراهبات.


8- العقلنة: أي استعمال العقل عندما يكون لدي أفكار مخزية بالنسبة لي فأحاول أن أجد لها تفسيراً عقلانياً لأريح نفسي وأظهر بطريقة حسنة أمام الآخرين فأعطي تفسيراً أخلاقياً سليماً لعمل مكبوت لكن ممنوع أخلاقياً. وأبحث أخلاقياً عن عمل او فكرة مخزية وأبررها. كمثال على ذلك أب لديه ميول جنسية تجاه ابنته فيكره صديقها ويجد كافة الأعذار كي يثبت أن هذا الشخص غير مناسب لها.


باختصار تحمي الآليات الدفاعية الأنا وتسمح بالعيش بشكل أفضل. لكن بالمقابل ينتج عن هذه الآليات الدفاعية وجود مفهوم خاطئ عن ذاتي وعن العالم الخارجي، فالإنسان دائماً في صراع وبحث عن توازن داخلي (الوعي واللاوعي والأنا العليا) وتوازن خارجي (رغبات الأنا والأنا العليا واللاوعي). فالثقافة والحضارة والعادات والتقاليد والقوانين تغير التصرفات وتغير رغبات كل إنسان. والكبت الاجتماعي طبيعي فبدون كبت ليس هناك من مجتمع لكن هذا يعني كبتاً طبيعياً ضمن الحدود التي تكلمنا عنها. والسؤال مقابل الخوف والقلق هنالك وسائل دفاعية لكن لها جوانب سلبية فما هو الحل الافضل كي أجير مخاوفي وقلقي؟ سنتكلم عن ذلك في المرة القادمة.

NomE-mailMessage